مفهوم علم التسيير

علم التسيير هو فرع من فروع العلوم الاجتماعية والإدارية الذي يعنى بدراسة كيفية تنظيم وتوجيه الموارد المختلفة داخل المؤسسات لتحقيق الأهداف المحددة بكفاءة وفعالية. يتناول هذا العلم مجموعة من المبادئ والنظريات والأساليب التي تساعد على تحسين أداء المؤسسات من خلال التخطيط، والتنظيم، والقيادة، والرقابة، بالإضافة إلى إدارة الموارد البشرية، المالية، والتقنية.

أصل وتطور علم التسيير

بدأ الاهتمام بدراسة التسيير مع الثورة الصناعية التي أحدثت تغييرات جذرية في طريقة تنظيم العمل والإنتاج. حيث أصبحت الحاجة ماسة إلى وجود منهجية علمية تساهم في تنظيم الأعمال وتحسين الإنتاجية. ظهرت أولى المدارس الفكرية في التسيير خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، منها مدرسة الإدارة العلمية التي أسسها فريدريك تايلور، والتي ركزت على تحسين الأداء من خلال تحليل العمليات وتطوير أساليب العمل. تبعتها مدرسة العلاقات الإنسانية التي أعطت أهمية للعامل البشري ودوره في نجاح المؤسسة.

على مر العقود، تطور علم التسيير وتوسع ليشمل مجالات متعددة، منها إدارة الجودة، وإدارة المشاريع، والتسويق، وإدارة الموارد البشرية، والإدارة الاستراتيجية. وأصبحت المؤسسات تعتمد على هذا العلم بشكل أساسي لتحقيق ميزة تنافسية في بيئات العمل المتغيرة.

التعريف الدقيق لعلم التسيير

يمكن تعريف علم التسيير بأنه العلم الذي يدرس العمليات الإدارية داخل المؤسسات المختلفة بهدف تحسين الأداء وتحقيق الأهداف المحددة. وهو علم تطبيقي يقوم على تحليل الوضع الحالي، وتخطيط الأعمال المستقبلية، وتنظيم الموارد، وتوجيه الأفراد، ومتابعة التنفيذ من خلال أدوات الرقابة.

يعتمد التسيير على عدة مبادئ أساسية، أهمها:

• التخطيط: وضع أهداف واضحة وتحديد الخطوات اللازمة لتحقيقها.

• التنظيم: توزيع المهام والصلاحيات بين الأفراد والفرق بشكل مناسب.

• القيادة: تحفيز وتوجيه العاملين نحو تحقيق الأهداف.

• الرقابة: متابعة الأداء وتصحيح الانحرافات.

أهمية علم التسيير في المؤسسات

تكمن أهمية علم التسيير في قدرته على تحويل الموارد المختلفة — سواء كانت بشرية، مالية، أو مادية — إلى منتجات أو خدمات ذات قيمة مضافة، وهذا من خلال تنسيق الجهود وتوجيهها نحو تحقيق أهداف محددة. بدون تسيير فعال، قد تواجه المؤسسات العديد من المشكلات مثل الهدر، ضعف الإنتاجية، غياب التنسيق، وفقدان القدرة على المنافسة.

تلعب الإدارة السليمة دوراً محورياً في تحقيق الاستدامة المؤسسية، وتحسين جودة المنتجات والخدمات، وتقليل التكاليف، وزيادة رضا العملاء. كما يساهم التسيير في خلق بيئة عمل محفزة، تدعم الابتكار، وتعزز من روح الفريق والتعاون بين العاملين.

مكونات علم التسيير

1. التخطيط

التخطيط هو الخطوة الأولى في عملية التسيير، ويتمثل في وضع استراتيجية واضحة تحدد الأهداف والمبادئ التي ستتبعها المؤسسة في فترة زمنية محددة. يتطلب التخطيط جمع وتحليل المعلومات، التنبؤ بالظروف المستقبلية، وتحديد الموارد اللازمة.

تختلف أنواع التخطيط بين التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، والتخطيط التشغيلي قصير الأمد، كما يشمل التخطيط التكتيكي الذي يركز على تفاصيل التنفيذ.

2. التنظيم

التنظيم هو عملية تحديد الهيكل التنظيمي للمؤسسة، وتوزيع المهام والصلاحيات والمسؤوليات بين الأفراد والفرق. يسعى التنظيم إلى تحقيق التنسيق بين مختلف أجزاء المؤسسة لتجنب التداخل أو التكرار في الجهود.

يتضمن التنظيم أيضاً وضع قواعد وإجراءات العمل، بالإضافة إلى تحديد قنوات الاتصال داخل المؤسسة.

3. القيادة

القيادة هي القدرة على توجيه وتحفيز الأفراد لتحقيق الأهداف المرجوة. تعتمد القيادة على مهارات التواصل، والقدرة على اتخاذ القرارات، وبناء العلاقات الإنسانية الفعالة.

تختلف أساليب القيادة حسب الثقافة التنظيمية والبيئة المحيطة، حيث قد تكون القيادة ديمقراطية أو أُوتوقراطية أو تحفيزية.

4. الرقابة

الرقابة هي متابعة الأداء الفعلي للمؤسسة مقارنةً بالأهداف والخطط الموضوعة، وتحديد الانحرافات، واتخاذ الإجراءات التصحيحية. تهدف الرقابة إلى ضمان تحقيق الأهداف بكفاءة وفعالية وتقليل الأخطاء والهدر.

تستخدم الرقابة مجموعة من الأدوات مثل التقارير الدورية، والزيارات الميدانية، وأنظمة المعلومات الإدارية.

تخصصات علم التسيير

يتفرع علم التسيير إلى عدة تخصصات فرعية، وكل منها يركز على جانب معين من جوانب الإدارة:

• إدارة الموارد البشرية: تهتم بجذب، وتوظيف، وتطوير، وتحفيز الموظفين داخل المؤسسة.

• إدارة التسويق: تركز على دراسة السوق، وفهم احتياجات العملاء، وتطوير استراتيجيات ترويج المنتجات والخدمات.

• إدارة الإنتاج: تعنى بتنظيم عمليات الإنتاج وتحسين جودة المنتج وكفاءته.

• الإدارة المالية: تهتم بالتخطيط والرقابة على الموارد المالية وضمان الاستخدام الأمثل للأموال.

• الإدارة الاستراتيجية: تختص بوضع الأهداف الطويلة الأجل وتحديد المسارات لتحقيقها ضمن بيئة تنافسية.

منهجيات وأدوات علم التسيير

يستخدم التسيير مجموعة متنوعة من الأدوات والمنهجيات التي تسهل اتخاذ القرار وتحسين الأداء، منها:

• تحليل SWOT: لتحليل نقاط القوة والضعف، والفرص والتهديدات التي تواجه المؤسسة.

• مخططات التدفق: لتوضيح سير العمليات وتحليلها.

• نموذج بيرتو: لتحديد العوامل الأكثر تأثيراً على الأداء.

• الميزانيات التقديرية: لتنظيم الموارد المالية.

• إدارة المشاريع: التي تعتمد على أدوات مثل برنامج جداول جانت (Gantt charts) لتخطيط ومتابعة المشاريع.

التحديات التي يواجهها علم التسيير

مع التطور السريع في بيئة الأعمال العالمية، تواجه إدارة المؤسسات تحديات متزايدة، منها:

• التغير التكنولوجي: ضرورة التكيف مع التحديثات المستمرة في تقنيات المعلومات والاتصالات.

• العولمة: التنافسية الشديدة مع شركات ومؤسسات من مختلف أنحاء العالم.

• تغير توقعات العملاء: ارتفاع معايير الجودة والسرعة في تقديم الخدمات.

• إدارة الموارد البشرية: التعامل مع التنوع الثقافي وتطوير مهارات العاملين.

• الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية: ضرورة تضمين الأبعاد البيئية والاجتماعية في استراتيجيات التسيير.

دور علم التسيير في الاقتصاد والتنمية

يعد علم التسيير أداة حيوية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فعندما تُدار المؤسسات بشكل جيد، تزيد من إنتاجيتها، وتوفر فرص عمل، وتساهم في تحسين مستوى المعيشة. كما يدعم التسيير الفعال الاستثمارات ويحفز الابتكار ويعزز من تنافسية الأسواق.

في المجتمعات النامية، يمكن لعلم التسيير أن يكون ركيزة أساسية في بناء مؤسسات قوية قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق التنمية المستدامة. تزداد الحاجة إلى تطوير مهارات الإدارة وتطبيق أفضل الممارسات العالمية لتحقيق هذا الهدف.

مستقبل علم التسيير

تتجه أنظار الباحثين والممارسين في مجال التسيير نحو استغلال التطورات التكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات الضخمة، وأتمتة العمليات، لتعزيز الأداء المؤسسي. كما تتزايد أهمية الإدارة المرنة التي تستجيب بسرعة للتغيرات وتتكيف مع متطلبات العصر.

ستظل القيمة الحقيقية لعلم التسيير تكمن في قدرته على توجيه الموارد البشرية والفكرية لتحقيق التنمية المستدامة والابتكار المستمر، مما يضمن قدرة المؤسسات على المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية.

جدول توضيحي لأبرز مكونات عملية التسيير

مصادر ومراجع

• روبرت كاتز، “مبادئ الإدارة”، ترجمة عبد العزيز الجندي، 2017.

• بيتر دراكر، “مبادئ الإدارة”، دار النشر العالمية، 2015.

هذا المقال يقدم رؤية شاملة ومفصلة لمفهوم علم التسيير، ويشرح دوره الحيوي في نجاح المؤسسات وتحقيق التنمية المستدامة في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية.